فصل: تفسير الآية رقم (22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (7):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} [7].
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} أي: كما نأكل: {وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} أي: يتردد فيها لشؤونه كما نمشي. قال الزمخشري: يعنون أنه كان يجب أن يكون ملَكاً مستغنياً عن الأكل والتعيش. أي: فيخالف حالُه حالنا. قال أبو السعود: وهل هو إلا لعمههم وركاكة عقولهم، وقصور أنظارهم على المحسوسات. فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية، وإنما هو بأمور نفسانية. كما أشير إليه بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110]، ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون مَلَكاً، إلى اقتراح أن يكون إنساناً معه ملَك حتى يتساندا في الإنذار فقالوا: {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} ثم نزلوا أيضاً إلى اقتراح أن يرفد بكنز، إن لم يرفد بملك، فقالوا:

.تفسير الآية رقم (8):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [8].
{أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} أي: من السماء يستظهر به، ولا يحتاج إلى طلب المعاش، ويكون دليلاً على صدقه. ثم نزلوا فاقتنعوا باقتراح ما هو أيسر منه، فقالوا: {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} أي: بستان يرتزق منه: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} أي: مغلوباً على عقله. وقوله:

.تفسير الآية رقم (9):

القول في تأويل قوله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} [9].
{انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} استعظام للأباطيل التي اجترأوا على التفوه بها. والتعجب منها. أي: انظر كيف قالوا في حقك تلك الأقوال الخارجة عن العقول: {فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} أي: القدح في نبوّتك، بأن يجدوا قولاً يستقرّون عليه، أو فَضَلُّوا عن الحق فلا يجدون طريقاً إليه.
قال ابن كثير: كل من خرج عن الحق وطريق الهدى فإنه ضال، حيثما توجه، لأن الحق واحد، ومنهجه متحد يصدق بعضه بعضاً.
ثم نبه تعالى على أَنَّهُ إن شاء آتاه خيراً مما يقترحون، بقوله:

.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [10].
{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} أي: إن شاء جعل لك خيراً مما قالوا. وهو أن يجعل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور. ولكن قضت حكمته ذلك ليكون الرضوخ للحق لا للمال. وليصدع بأن الأمر مبنيّ على النظر والاستدلال، لا ما يلهي المشاعر والخيال. مما يتطرق إلى الشغب فيه الجدال، فسبحان الحكيم المتعال. وقوله تعالى.

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} [11].
{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} إضراب انتقاليّ عن توبيخهم بحكاية جنايتهم السابقة، وانتقال منه إلى توبيخهم بحكاية جنايتهم الأخرى، للتخلص إلى بيان ما لهم في الآخرة بسببها، من فنون العذاب، بقوله: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} أي: ناراً شديدة الاستعار، أي: التوقد والالتهاب.
وقيل: هذا الإضراب عطف على ما حكى عنهم وهو: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} على معنى: بل أتوا بأعجب من ذلك كله، وهو تكذيبهم بالساعة. والحال أنا قد أعتدنا لكل من كذب بها سعيراً. فإن جراءتهم على التكذيب بها، وعدم خوفهم مما أعد لمن كذب بها، أعجب من القول السابق.
ويجوز أن يتصل بما يليه، كأنه قيل: بل كذبوا بالساعة، فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب؟ وكيف يصدقون بتعجيل ما وعدك الله في الآخرة وهم لا يؤمنون بها؟. ثم وصف تعالى السعير بقوله:

.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [12].
{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} أي: إذا كانت بمرأى منهم: أي: قريبة منهم ونسبة الرؤية إليها لا إليهم، للإيذان بأن التغيظ والزفير منها، لهيجان غضبها عليهم عند رؤيتها إياهم، حقيقة أو تمثيلاً. ومن في قوله: {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} إشعار بأن بعد ما بينها وبينهم من المسافة، حين رأتهم، خارج عن حدود البعد المعتاد في المسافات المعهودة. فيه مزيد تهويل لأمرها. أفاده أبو السعود. والتغيّظ: إظهار الغيظ وهو أشد الغضب، وقد يكون مع صوت كما هنا. شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره، وهو صوت يسمع من جوفه، تصريحاً أو مكنياً أو تمثيلاً.

.تفسير الآيات (13- 14):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [13- 14].
{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ} أي: قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} أي: هلاكاً. أي: نادوه نداء المتمني الهلاك. ليسلموا مما هو أشد منه. كما قيل: أشد من الموت ما يُتمنى معه الموت. فيقال لهم: {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} لكثرة أنواعه المتوالية. فإن عذاب جهنم ألوان وأفانين. أو كثرته باعتبار تجدد أفراده وإن كان متحداً. أو كثرته كناية عن دوامه. لأن الكثير شأنه ذلك كما قيل في ضده: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 32- 33]، وقيل: وصف الثبور بالكثرة، لكثرة الدعاء أو المدعوّ به.

.تفسير الآيات (15- 16):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً} [15- 16].
{قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً} أي: حقيقاً أن يسأل ويطلب ويتنافس فيه. وما في على من معنى الوجوب، لامتناع الخلف في وعده تعالى.

.تفسير الآيات (17- 18):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} [17- 18].
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ} أي: الله تعالى للمعبودين، تقريعاً لعبدتهم: {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} أي: عن السبيل بأنفسهم، لإخلالهم بالنظر الصحيح، وإعراضهم عن المرشد: {قَالُوا سُبْحَانَكَ} تعجباً مما قيل لهم. لأنهم إما ملائكة معصومون أو جمادات لا قدرة لها على شيء. أو تنزيهاً له عن الأنداد: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} أي: نعبدهم فأنى يتصور أن نحمل غيرنا على أن يتخذ وليّاً غيرك، أو من أولياء أي: أتباعاً للعبادة: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} استدراك مسوق لبيان أنهم هم الضالون، بعد بيان تنزههم عن إضلالهم. وقد نعى عليهم سوء صنيعهم حيث جعلوا أسباب الهداية أسباباً للضلالة. أي: ما أضللناهم. ولكن متعتهم وآباءهم بأنواع النعم، ليعرفوا حقها ويشكروها. فانهمكوا في الشهوات حتى نسوا الذكر، أي: ذكرك. أو التذكر في آلائك، والتدبر في آياتك، فجعلوا أسباب الهداية، بسوء اختيارهم، ذريعة إلى الغواية- أفاده أبو السعود: {وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} أي: هالكين. ثم أشار تعالى لاحتجاجه على عبدتهم وإلزامهم ما يبكتهم، بقوله:

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} [19].
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} أي: المعبودون، أيها الكفرة: {بِمَا تَقُولُونَ} أي: في قولكم إنهم آلهة. أو في قولكم هؤلاء أضلونا: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} أي: ما تملكون: {صَرْفاً} أي: دفعاً للعذاب عنكم بوجه ما: {وَلا نَصْراً} أي: لأنفسكم من البوار: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ} أيها المكلفون، كدأب هؤلاء: {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً}. ثم أجاب عن شبههم السابقة، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (20):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} [20].
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} أي: لَيحتاجون إلى التغذي بالطعام ويتجولون في الأسواق للتكسب والتجارة. وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم. فإنه تعالى جعل لهم من السمات الحسنة، والصفات الجميلة، والأقوال الفاضلة، والأعمال الكاملة، والخوارق الباهرة، والأدلة القاهرة، ما يستدل به كل ذي لب به كل سُلَيم وبصيرة مستقيمة، على صدق ما جاءوا به من الله. ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: 109]، وقوله: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [8].
تنبيه:
قال السيوطيّ في الإكليل: في الآية إباحة دخول الأسواق للعلماء وأهل الصلاح خلافاً لمن كرهها لهم.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} قال الزمخشريّ: هذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبدعوه من أكله الطعام ومشيه في الأسواق. بعدما احتج عليهم بسائر الرسل. يقول: وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم، أيها الناس، ببعض. والمعنى أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم. وبمناصبتهم لهم العداوة. وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف، وأنواع أذاهم، وطلب منهم الصبر الجميل. ونحوه: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عِمْرَان: 186]، وفي قوله تعالى: {وكانَ رَبُّكَ بَصِيراً} زيادة تسلية وعدة جليلة. أي: هو عالم فيما يبتلي به وغيره، فلا يضق صدرك. فإن في صبرك سعادة وفوزاً في الدارين.
ثم أشار إلى نوع آخر من أقاويلهم الباطلة، وإبطالها، بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (21):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} [21].
{وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي: الرجوع إليه بالبعث والحشر: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} أي: للرسالة، أو لتخبرنا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم: {أَوْ نَرَى رَبَّنَا} أي: فيخبرنا بذلك: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} أي: في شأنها حتى تفوّهوا بمثل هذه العظيمة: {وَعَتَوْا} أي: تجاوزوا الحد في الظلم والطغيان: {عُتُوّاً كَبِيراً} أي: بالغاً أقصى غايته حيث أملوا رتبة التكليم الربانيّ من غير توسط الرسول والملك. ولم يكتفوا بهذا الذكر الحكيم والخارق العظيم.

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} [22].
{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} أي: عند الموت أو في القيامة: {لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} أي: كما كانوا يقولون عند لقاء العدوّ وشدة النازلة: {حِجْراً} أي: أسأل الله أن يمنع ذلك منعاً ويحجره حجراً و{مَحْجُوراً} تأكيد لـ: {حِجْراً} وقيل هو من قول الملائكة ومعناه حراماً محرماً عليكم الغفران والجنة والبشرى، أي: جعل الله ذلك حراماً عليكم.

.تفسير الآية رقم (23):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [23].
{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} أي: مما كانوا يراءون به ابتغاء السمعة والشهرة، ويرونه من مكارمهم: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} أي: مثل الغبار المنثور في الجوّ، في حقارته وعدم نفعه.

.تفسير الآيات (24- 25):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} [24- 25].
{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أي: ينصدع نظامها فلا يبقى أمر ما فيها من الكواكب على ما يرى اليوم. فيخرب العالم بأسره. والباء بمعنى: مع أي: مع السحب الجوية أو بمعنى: عن أي: تنفطر عن الغمام الذي يسوّد الجو ويظلمه، ويغم القلوبَ مرآه: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} فيحيطون بالخلائق في المحشر.

.تفسير الآيات (26- 29):

القول في تأويل قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [26- 29].
{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} أي: فلا يدعيه ثَمَّ غيره. ويكون له سبحانه السلطة القاهرة الشاملة: {وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} أي: تشتد حسراته وتتصاعد زفراته: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} يعني من أضلّه عن الذكر، وصده عن سبيل الله: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} أي: القرآن، أو موعظة الرسول: {إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} أي: مبالغاً في إضلاله، يعده ويمنيه في الدنيا، ما يحسّره عليه في العقبى.